عن أبي ذر جندب بن جنادة وأبي عبدالرحمن معاذ بن جبل رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اتق الله حيثما كنت , وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن " رواه الترمذي , وقال : حديث حسن وفي بعض النسخ : حسن صحيح .
*الشرح :
قوله " اتق الله " فعل أمر من التقوى وهو اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه فهذا هو التقوى وهذا هو أحسن حد قيل فيها .
وقوله " اتق الله حيثما كنت " في أي مكان كنت , فلا تتقي الله في مكان يراك الناس فيه , ولا تتقيه في مكان لا يراك فيه أحد , فإن الله تعالى يراك حيثما كنت فأتقه حيثما كنت .
وقوله " وأتبع السيئة الحسنة " يعني اعل الحسنة تتبع السيئة , فإذا فعلت سيئة فأتبعها بالحسنة ومن ذلك –أي إتباع السيئة بالحسنة- أن تتوب إلى الله من السيئة فأن التوبة حسنة .
وقوله " تمحها " يعني الحسنة إذا جاءت بعد السيئة فإنها تمح السيئة ويشهد لهذا قوله تعالى " ...إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ... "هود/114 .
*وفي هذا الحديث من الفوائد : حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أمته بتوجيههم لما فيه الخير والصلاح , ومنها وجوب حرص تقوى الله عزوجل في أي مكان كان ومنها وجوب التقوى في السر والعلن , لقوله صلى الله عليه وسلم " اتق الله حيثما كنت " .
*ومن فوائد هذا الحديث : الإشارة إلى السيئة إذ اتبعها الحسنة إذا اتبعتها الحسنة فإنها تمحوها وتزيلها بالكلية , وهذا عام في كل حسنة وسيئة إذا كانت الحسنة هي التوبة , لأن التوبة تهدم ما قبلها , أما إذا كانت الحسنة غير التوبة وهو أن يعمل الإنسان عملاً سيئاً ثم يعمل عملاً صالحاً فإن هذا يكون بالموازنة فإذا رجح العمل السيئ زال أُره كما قال تعالى " وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ " الأنبياء/47 ... ثم قال " وخالق الناس بخلق حسن " عاملهم بالأخلاق الحسنة بالقول والعمل , فإن ذلك خير وهذا الأمر , إما على سبيل الوجوب وإما على سبيل الاستحباب .
*فيستفاد منه : مشروعية مخالفة الناس بالخلق الحسن وأطلق النبي صلى الله عليه وسلم كيفية المخالفة , وهي تختلف بحسب أحوال الناس فقد تكون حسنة لشخص , ولا تكون حسنة لغيره , والإنسان العاقل يعرف ويزن .